في حدود السادسة والنصف مساء، بعد رفع الجلسة الأولى من محاكمته، ترجل الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز من الباص داخل مدرسة الشرطة، ليدخل مسرعا في المنزل الذي بات سجنه الذي يعرف كثيرا، يقول المقربون منه “إنه السبب في تدهور حالته الصحية”
كان يوم الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز ورفاقه المشمولين في الملف، طويلا داخل قفص الاتهام بقاعة الجلسات في قصر العدل، وهو القصر الذي يعرف أول محاكمة لرئيس سابق من هذا النوع في تاريخ البلاد.
محامو الدفاع والمشاكسة
لم يضيع فريق الدفاع عن الرئيس السابق الوقت، ودخلوا بقوة في الرفض، حيث اعترضوا على التفتيش واعتبروه مهينا لهم، خاصة في ظل منع إدخال الهواتف النقالة على الجميع دخل القاعة، فرفعت الجلسة للمرة الأولى حتى يتم التوصل لاتفاق.
غير أنهم في الأخير قبلوا بترك الهواتف خارج القاعة لتبدأ الجلسة من جديد، لكنهم أيضا بدأوا بالاعتراض، وحجتهم هذه المرة، هي عدم وجود أماكن يجلسون فيها.
قال قائدهم صاحب الخبرة في دهاليز المحاكم محمددو ولد الشدو “إنهم يريدون أماكن مناسبة تسمح لهم بالتشاور في ما بنيهم”
وبعد الكثير من الجدل، وتوفير مقاعد وإخلاء أماكن لهم، لم ينتهي الأمر، ما جعل رئيس المحكمة يستنجد بنقيب المحامين من أجل التدخل.
طالب نقيب المحامين زملاءه بتطبيق ما أسماه القاعدة السحرية وهي “ترك المحامي الأقل خبرة مكانه في المقدمة لمن هو أقدم منه”
ليرد عليه أحد أعضاء فريق الدفاع ” اليوم لا شيء بيننا، لكم دينكم ولنا ديننا” رد رسم الابتسامة على محيى بعض الحضور وسط توتر المقربين من الرئيس السابق، وهو الذي كان في الأثناء يتحدث مع بعض المشمولين معه في الملف، لكن الجدل انتهى في نهاية المطاف بجلوس فريق الدفاع.
أسماء عبد العزيز أصعب النساء وضعية
النساء المؤازرات للرئيس السابق كن في وضعية صعبة، داخل القاعة، فمن الصعب عليهن مشاهدة، من كان الآمر الناهي في البلد لعقد من الزمن، ينتهي به المطاف أخيرا في قفص من حديد وعلى عاتقه عدة اتهامات.
لكن الشابة أسماء عبد العزيز التي لم تتعود على مثل هذه الأجواء، كانت أصعبهن وضعية، فوالدها وزوجها من بين المتهمين الذين تفصلهم عنها عدة خطوات وقضبان ومستقبل لا يمكن أن تتنبأ به.
ورغم ذلك كانت في مقدمة صفوف النساء، رافضة الاستسلام للتعب على عكس بعض زميلاتها، تتفاعل مع مداخلات الدفاع عن أبيها، وربما لم تفتها ابتسامات محمد ولد امصبوع زوجها، أما والدها فكانت تعبيرات وجهه تحتجزها كمامة فلم يطلع عليها منا أحد.
كانت تضع رجليها تارة على المقاعد أمامها، كلما تعبت من الجلوس، وتارة أخرى تضع يديها على رأسها كمن يفكر في أمر جلل يريد له حلا، وضحكت عندما علق أحد أفراد الدفاع على قضية إشراك المجتمع المدني كطرف مدني قائلا ” السيد الرئيس أرفض هذا الطلب لأنه محدورة درجته”
المجتمع المدني والمحاولة الفاشلة
مر جل وقت اليوم الأول من محاكمة المشمولين في ما يعرف بملف العشرية، في رفض الدفاع لطلب إدراج منظمات غير حكومية مهتمة بمكافحة الفساد، في الطرف المدني.
النيابة العامة عندما سألها رئيس المحكمة عن الموضوع كان ردها مختصرا” لا نرى في ذلك مشكلة فقد حصل من قبل”
بيد أن فريق الدفاع وقف بشكل قوي ضد إشراك المجتمع المدني بصفته متضررا، واعتبروا أن القانون واضح في هذه الحالة، ويشترط أن يكون الطرف متضررا بشكل مباشر.
أضاف بعضهم أن هذه المنظمات تم الترخيص لها في السنة الماضية، وواضح أنها منظمات يتم استخدماها بفعل فاعل.
المحامية اللبنانية كانت واضحة في حديثها عن هذه النقطة، وقالت إنها تمتلك منظمة حقوقية ويمكن أن تطالب بإدراج آلاف المنظمات للدفاع عن موكلها، خاصة أنه تعرض لما تعتبره انتهاكات تجرمها القوانين الدولية.
أطال الدفاع الحديث بخصوص النقطة، بينما التزم الطرف المدني الصمت والإنصات، حتى تدخل رئيس المحكمة طالبا منهم “الرأفة بموكليهم” هنا تدخل أحدهم ” لقد جاءت من فمك، نطلب منك الرأفة والإفراج عنهم على أن يحضروا للجلسات من منازلهم”
أخيرا قررت المحكمة الانسحاب للمداولة حول تمثيل المجتمع المدني وقد رفعت الجلسة قبل ذلك خلال اليوم ثلاث مرات، وعند عودتها، وقد كان عدد الجمهور قد قل بكثير وحل التعب بالأغلبية..
“بالنظر للمادة 2 من قانون الإجراءات الجنائية قررت المحكمة رفض اعتماد ممثلي المجتمع المدني لعدم تأسيسه قانونيا”
ثم رفعت الجلسة ليرتفع الصوت داخل القاعة في جانب مناصري المتهمين.
رجل غير مرحب به
هو محامي ورجل قانون، لكنه لا يعلب دورا في هذا الملف، فمحمد ولد أمين لا هو إلى جانب الدفاع ولا إلى جانب الطرف المدني، لكنه ظهر جليا أنه غير مرغوب فيه هناك من طرف مناصري الرئيس السابق.
فقد كان يتعرض للهجوم بين الفينة والأخرى وإن من بعيد من طرف بعض السيدات المؤازرات للرئيس السابق، لكنه لم يعر ذلك اهتماما، وكان مهتما بتفاصيل المحاكمة وحضر منذ البداية ولم يغادر قصر العدل إلا بعد رفع الجلسة.
انتهت جلسة اليوم، التي كانت بداية محاكمة يتوقع كثيرون أنها ستطول، اعتمادا على ما حصل اليوم من إعطاء للوقت الكثير لنقاش إجراءات شكلية.
وغدا موعد جديد للمتهمين مع قفص الاتهام…
السالك زيد – تقصي