تعاني موريتانيا من مشاكل جمة في مجال حقوق الإنسان، و قد ساهمت سياسات الإنكار و المكابرة في تلطيخ صورة البلد و تقديمه للعام في ثوب عنصري قمعي استبعادي، و يذهب البعض إلى القول بأن البلد يحكمه نظام آبارتيد غير معلن : نظام شرد الزنوج و صفاهم و كرس الظلم القائم على اللون، و أخضع لحراطين الراغبين في الحرية و المشاركة في تسيير البلد للتمييز و القمع و الإقصاء و استولى على كل مقدرات البلد لصالح مكون معين ووظفها لمزيد من القمع و التمييز.
هذا، و إن كان لا يخلو من مزايدة الا ان فيه بعض الحقائق ..فإن الوقت قد حان لوقف تلك الحملات و الحملات المضادة و تلك السياسات الخاطئة التي أوصلت صورة البلد الى ما وصلت إليه الآن! و لذلك فإن الوطن يحتاج اليوم الى سواعد الكل من أجل تحسين تلك الصورة و جبر ذلك الضرر الذي ألحقه نظام ولد الطائع و من بعده نظام ولد عبد العزيز بوحدة و تماسك هذا الشعب ..
نحتاج إلى تفعيل القوانين و تطبيقها بصرامة حتى تكون رادعة. و يحتاج ذلك الى عدالة شابة تفكر مع الشباب بروح العصر و الانفتاح
و تضرب عرض الحائط بالصور النمطية الجامدة!!
أقولها صراحة لم يتغير الكثير حتى اللحظة و لكن الأمل قائم و الإرهاصات مبشرة و العدول عن سياسة الإنكار و المكابرة و كذلك جو الانفتاح على نشطاء المجتمع المدني الشرفاء، كل ذلك بعث الأمل في نفوسنا و بدأنا نشعر بأن خطاب وادان و نداء جيول لم يكونا عابرين بل إن هنالك طموح رسمي لهذا الوطن لكنه يصطدم بجدار المجتمع الرجعي و أقلام و بثوب الكليانيين ( أصحاب الكل أو لا شيء) ..
علينا جميعا أن نتحرك من أجل تحرير الإرادة الرسمية المعلنة مؤخرا في وادان و في جيول و تحطيم جدران الممانعة و الخوف من المجهول !
و في هذا السياق و تطبيقا لروح خطاب وادان فإنه أضحى من واجبنا التنويه و التنبيه بل الإشادة بالجهود الكبيرة التي تبذلها مفوضية حقوق الانسان في سبيل خلق جو تكامل و تفاهم و انفتاح على المجتمع المدني تتمثل في اشراك المنظمات الحقوقية الجادة ( نجدة العبيد و FONADH و AFCF و AMDH و IRA و هيئة الساحل ) في الحملات التحسيسية التي اطلقتها المفوضية هذه السنة من أجل تفسير و شرح القوانين المجرمة للإستعباد و الاتجار بالبشر و غيرها. كذلك قيام الدولة في السنة الماضية بدعم IRA لتنظيم ندوة دولية حول العبودية شارك فيها الكثير من المنظمات و الهيئات التي كانت تحمل صورة رديئة عن الدولة .. كل ذلك ساهم بشهادة زوار موريتانيا في إرساء دعائم توجه جديد يستحق الإشادة ..
و خير دليل على هذا هو التقرير الذي سيقدم مقرر الامم المتحدة يوم 18 في الجاري في جنيف و الذي يشيد بجهود موريتانيا و يعطي توصيات موضوعية .و سوف تزور موريتاني في الشهر القادم منظمات حقوقية دولية كانت محرومة من زيارة موريتانيا أيام ولد عبد العزيز و سياسة النعامة !
زد على هذا أن البرنامج الطموح الذي ستنفذه الهيئة الوطنية لمحاربة الإتجار بالأشخاص و بالمهاجرين ( المستحدثة) سيزيد الرؤية وضوحا و سيدعم هذا الأمل و هذه الإشادة التي عبرنا عنها في منتديات دولية كبيرة و عبر عنها عميد النضال الحقوقي المهندس ببكر ولد مسعود و العميد صار ممادو .. و سيشمل هذا البرنامج محاورعدة كلها مهمة و طموحة، مثلا : إنشاء صندوق لمؤازرة ضحايا الاستعباد و إعطاء منح معتبرة للضحايا المعلن عنهم و أخرى للمنظمات التي تؤازر الضحايا أمام القضاء أو من خلال الإيواء أو التكوين و الادماج .
و ستستفيد فقط تلك المنظمات التي لها حضور فعلي في الميدان الحقوقي متمثل في مراكز للإيواء او ملفات منشورة أمام القضاء .. هنالك أيضا برنامج لتنظيف شوارعنا و ملتقيات الطرق من المتسولين و خاصة أولائك الذين يستخدمون أطفالا معوقين يتسولون بهم تحت أشعة الشمس الحارقة…كذلك سوف يتم التصدي لمعاناة المهاجرين و منحهم كامل حقوقهم التي يفرضها ديننا الحنيف و القوانين الدولية التي صادقنا عليها ..
ومن مهمات هذه المؤسسة أن تكون سباقة في مؤازرة و دمج كل مستعبد أو مهاجر وصلتها حالته. و لذلك السبب و لغيره أطلقت المؤسسة رقما أخضر لتصلها الشكاوي من خلاله و هو جاهز الآن لاستقبال المتصلين الراغبين في الابلاغ عن أي حالة انتهاك لحقوق البشر على أرض الجمهورية!
هذا كله لا يكفي و لم يحقق بعد الهدف المرسوم و لكنها خطوات في الاتجاه الصحيح يجب علينا دعمها و توجيهها و مراقبتها حتى لا تعبث بها أيادي الإهمال و اللامبالاة و التشكيك ! و الله من وراء القصد و هو على كل شيء قدير..