يتطرق تحقيق تقصي الى 6 مؤسسات حكومية حديثة النشأة لم تعلن سابقا عن فتح باب المسابقات أمام المواطنين، لكن في المقابل توظف بطرق مختلفة منها المحسوبية والزبونية وهو ما يحرم آلاف الشباب الموريتانيين الذين لا يمتلكون وساطة
تحقيق: أبوبكر سالم – مدير النشر في مؤسسة “تقصي”
تتحسر”مبروكة “32 عاما، على 8 سنوات انقضت من عمرها ولم تحصل على فرصة عمل بعد تخرجها من جامعة نواكشوط عام 2016 ، وهو أمر ترجعه “مبروكة” إلى تفشي المحسوبية بداخل المؤسسات العمومية بحسب تصريحها لـ تقصي
وزير التشغيل الأسبق الطالب ولد سيد أحمد قال في تصريح عام 2021 إن 70 بالمائة من فرص العمل يتم الحصول عليهما عن طريق المحسوبية في الوقت الذي لم يتمكن17 ألف خريج جامعي من تلقي أي تدريب أو فرصة عمل بين الأعوام 2019 ـ 2021
تقول مبروكة لـ تقصي ان انتشار المحسوبية وغياب شفافية الاكتتاب، تسبب لها و لآلاف الشباب المتعلم من الأوساط الفقيرة في البطالة فيما تمنح العقود ويوظف أبناء الفاسدين والزعامات القبلية بمحسوبية تامة.
و تضيف : لقد دفعتني البطالة إلى العمل في سوق نقطة ساخنة كبائعة متجولة لشرائح الهاتف النقال وفي غير تخصصي الجامعي (المكتباتية والأرشيف ) ولا قيمة لإعلانات وزارة التشغيل والوكالة، إذ لا يعدوان للاستهلاك الإعلامي و امتصاص الغضب الشبابي.
اكتتابات بدون مسابقات
تقول المادة 51 من النظام الأساسي للموظفين والوكلاء العقدويين للدولة الصادر في الثامن عشر من العام 1993 إن المسابقات هي الطريقة القانونية لاكتتاب الموظفيين والعقدويين ويعتبر كل اكتتاب لم يرعى هذه القاعدة لاغيا و عديم المفعول و يمكن سحبه بأي وقت
قامت الوحدة الاستقصائية الموريتانية ” تقصي” بالبحث عن المؤسسات العمومية التي أنشئت منذ عام 2018 ولم تعلن عن تنظيم مسابقة اكتتاب وفقا لمعايير المسابقات الوطنية و توصلنا الى أن 6 دوائر عمومية تم إنشاء اثنتان منهما مطلع 2019 وأخريات مع المأمورية الأولى لرئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني أعلن بعضها و بتحفظ شديد، فيما لم يعلن معظمها وظل الاكتتاب بالعقود و التوظيف ساريا الى اليوم.
1 ) معادن موريتانيا

لا يظهر الموقع الرسمي لهيئة معادن التي تأسست بالمرسوم الرئاسي رقم 065 ـ 2020 في الخامس مارس 2022 أي إعلان اكتتاب للعمال منذ انشاءها عام 2020 الى اليوم وبالرغم من خلو الموقع من إعلان مسابقات تتماشى مع المعايير القانونية فإن شركة معادن تضم مئات العمال والموظفين بمقارها الرئيسية في نواكشوط و الشامي وازويرات بحسب المصادر.
2 ) و كالة ترقية الاستثمارات في موريتانيا

صادق مجلس الوزراء نهاية ديسمبر العام 2020 على إنشاء وكالة لترقية الاستثمارات بموريتانيا غير أن هذه الوكالة العمومية لا تذكر على موقعها الرسمي أي إعلان اكتتاب للعمال والموظفين ، لكن مواقع الكترونية نقلت عنها يوم الخامس مايو2022 رغبتها بملأ شواغر و ظيفية دون توضيح
3 ) سلطة تنظيم الإشهار

أعلن مجلس الوزراء المنعقد يوم 14 مارس العام 2019 عن تشكيل سلطة لتنظيم الإشهار بموريتانيا ” غير أنه لا وجود لاعلان مسابقة اكتتاب على موقع سلطة تنظيم الاشهار للعمال والموظفين باستثناء اعلان انتقاء للملفات في الانتخابات الرئاسيات 2024 ومع ذلك تعج بعشرات العمال والموظفين
4 ) ميناء تانيت

لم يعلن هذا الميناء الذي أنشأ أواخر العام 2018 عن مسابقة واضحة أمام الموريتانيين، وإنما ظل ينتقي ملفات الأشخاص دون اجراء مسابقة حيث لا يذكر عن تانيت سوى الاتفاقية الموقعة في شهر أغسطس من العام 2023 مع وكالة التشغيل لتدريب 32 شخصا لم يذكر في الإعلان الموحد عن آلية اختيارهم.
5 ) مندوبية التآزر

بحسب الموقع الرسمي لوكالة التضامن ومكافحة الإقصاء ” التآزر” التي أنشئت أواخر العام 2019 بميزانية بلغت 200 مليار أوقية فان الوكالة أعلنت عام 2022 عن انتقاء ملفات بعض المترشحين ولمهام قصيرة الأمد لكن باقي اعلانات الانتقاء كانت في العام الجاري 2024 ولا ذكر للاعلان عن فتح الباب لمسابقة بالمعايير المتعارف عليها
6) صندوق الوطني للتضامن الصحي ” اكناس “

انشأ الصندوق بمرسوم رئاسي في الثامن يونيو من العام 2022 لكن نشاطاته لم تنطلق إلا في السابع من سبتمبر من نفس العام، و هو صندوق حكومي معني بتوفير التأمين الصحي للسكان الأكثر فقرا بحيث تتكفل الدولة الموريتانية بنسبة 65 بالمائة من المبلغ الإجمالي لاشتراك كل شخص مؤمن غير أن هذا الصندوق العمومي لم يعلن على موقعه الرسمي أو الفضاء العام عن تنظيم مسابقة مفتوحة للاكتتاب بعقود أو توطين منذ تأسيسه عام 2022 و بالمقابل يوظف عشرات العمال في ظروف غامضة.
في نواكشوط بحي عرفات، لا يفارق خريج القانون الخاص بجامعة نواكشوط، أحمدو35 عاما هاتفه الشخصي عل وعسى أن يحمل هذه المرة الإعلان عن فرصة عمل بإحدى المؤسسات الرسمية أو الخصوصية، لكن بدون جدوى فآخر المسابقات التي شارك فيـها أحمدو كانت مسابقة صندوق الضمان الاجتماعي التي افتقرت للشفافية وأثارت زوبعة إعلامية و ألغاها مجلس الوزراء المنعقد شهر أغسطس الماضي.
تعود قصة أحمدو مع الترشح للمسابقات الوطنية إلى العام 2019 لكنه لم يتجاوز مرحلة الشفهي الذي ترى أصوات نقابية أنه يشكل عقبة كبيرة أمام المترشحين من أبناء الفقراء والهامش اذ يتم إقصائهم بدون سبب موضوعي
و يقول أحمدو لـ تقصي :
كشاب موريتاني،لا يمتلك وساطة ليس لي من حظ في دخول الوظيفة العمومية إلا عن طريق مسابقة شفافة، لكننا نكتشف أن مؤسسات رسمية كثيرة لا تعلن عن اكتتاب واضح ومن يعلن منها يشترط عدد محدود من المقاعد مقابل آلاف المشاركات، و في الحين ذاته تعج بعض المؤسسات بمئات الأشخاص الذين جاءوا عن طريق المحسوبية.
و لمنح حق الرد، للمؤسسات المذكورة في التحقيق تواصلت” تقصي” مع المؤسسات لكن لم يتجاوب معنا الا المستشار الاعلامي للصندوق الوطني للتضامن الصحي، أبي ولد زيدان حيث أكد على شفافية اختيارات الصندوق للعمال عبر انتقاء الملفات دون ذكر لمسابقة مفتوحة كانت محل السؤال ، ان كان الصندوق سبق و أن نظمها على غرار بعض المؤسسات الحكومية.
على قارعة الطريق
اضطر شيخنا 36 عاما( خريج جامعة نواكشوط 2013) لإنشاء مزرعة صغيرة بولاية الحوض الشرقي ( النعمة 1200كلم ) وذلك بعد مشاركات عديدة في مسابقات الوظيفة العمومية التي نجح في بعضها لكنه تم إقصاؤه من بعضها وآخرها مسابقة أساتذة الجغرافيا عام 2023 بدون سبب وجيه بحسب قوله
و يضيف شيخنا لـ تقصي ” من داخل مزرعته :
أنشئت مزرعتي بداية خريف 2024 بجهد ذاتي ، فمن المستحيل لشخص بلا وساطة مثلي تماما الحصول على قرض حكومي أو وظيفة في القطاع العام أو الخاص، لكنني مستمر بمجهوداتي الخاصة.
تمويلات أجنبية وبطالة مستفحلة
اقترضت الحكومات الموريتانية المتعاقبة خلال الأعوام 2019 ـ 2024 مئات ملايين الدولارات باسم التشغيل و تكوين الشباب من الهيئات الدولية
لتتبع مسار أبرز هذه التمويلات تتبعنا في ” تقصي” حوالي 15 قرضا و تمويلا آخرها 4 ملايين دولار أمريكي من مجموعة البنك الافريقي خلال شهر أكتوبر الماضي ، و استلمته حكومة الوزير الأول المختار ولد اجاي ممثلة في وزارة تمكين الشباب والتشغيل.
و قد ذهب النصيب الأكبر إلى حكومة الوزير الأول السابق محمد ولد بلال إذ وقع وزير الاقتصاد الأسبق أوسمان مامودو كان عام 2022 على اتفاقية تعاون مع حكومة ألمانيا الاتحادية مقدارها 10 ملايين يورو
أما حكومة الوزير الأول الأسبق إسماعيل ولد الشيخ سيديا فقد وقع نيابة عنه وزير التشغيل الأسبق الطالب ولد سيد أحمد حيث سلم الاتحاد الأوروبي 10 ملايين يورو نهاية العام 2019 لكن و بالرغم من هذه التمويلات الأجنبية لدعم و تشغيل الشباب الموريتاني إضافة إلى الميزانيات الوطنية المرصودة سنويا خلال الأعوام 2019 ـ 2024 إلا أن البطالة ما تزال مستفحلة وتهدد حاضر و مستقبل الشباب في الوقت الذي لا توجد أرقام رسمية دقيقة عن معدل البطالة وتشير التقديرات الدولية إلى أن حوالي 40 بالمائة عاطلون.
هجرات جماعية
عرفت موريتانيا خلال الأعوام 2021 ــ 2024 أكبر هجرات جماعية لآلاف الشباب الموريتاني نحو الولايات المتحدة الأمريكية عن طريق حائط ـ المكسيك هربا من البطالة وبحثا عن فرص عمل وحياة كريمة بحسب ما أدلى به ” محمد فال ” وهو شاب مهاجر لـ تقصي
و يضيف محمد فال : لا يمكنني البقاء في الوطن لأنه بات مرتبطا بتضييع حاضري و مستقبلي بانتظار السراب فلم تشفع لي شهادتي العليا في مجال الهندسة في الحصول على وظيفة تضمن لي عيشة كريمة ولا اركب خطر الهجرة فأنا مكره لا مخير.
موريتانيا غير قادرة على محاربة الفساد
احتلت موريتانيا عام 2022 المرتبة 130 عالميا في مؤشر الفساد السنوي بحسب منظمة الشفافية الدولية وقد عزت المنظمة السبب إلى افتقار الحكومة في القدرة على حماية حقوق الشعب من فساد المسؤولين الحكوميين إضافة إلى انتشار الفساد في القطاع العام وغياب الشفافية في التسيير.
وخلال حفل التنصيب رئيسا للبلاد في مأمورية ثانية وأخيرة شهر أغسطس الماضي تعهد رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني، بمحاربة الفساد و عدم التهاون مع كل يتورط فيه و داعيا في الحين جميع النخب الموريتانية إلى المساهمة كل من موقعه الشخصي والوظيفي في التصدي له.
فهل سيفي رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني بتعهده أمام الموريتانيين في محاربة الفساد و خاصة بعد الإعلان عن إنشاء هيئة لمكافحة الفساد وفي ظل انتشار المعلومات باستشراء المحسوبية في التشغيل بالمؤسسات الرسمية التي لا يعلن معظمها عن مسابقات وتكتتب خارج إطار الشفافية