تقرير: السالك زيد لموقع “تقصي”
في شهر أغسطس من العام الماضي، أعلن رئيس الاتحاد الوطني لأرباب العمل زين العابدين ولد الشيخ أحمد عن نيته القيام بتزويج 50 شابا موريتانيا بمهور لا تتجاوز 50 ألف أوقية قديمة مع منحهم مبلغ مليون أوقية قديمة وتوفير فرصة عمل لكل شاب ممن سيتم اختيارهم.
تسببت هذه الفكرة في الكثير من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، وحتى في الساحة السياسية، حيث تم انتقادها من طرف بعض المعارضين فيما تهكم عليها رواد العالم الافتراضي، لكن ولد الشيخ أحمد واصل في فكرته وأعلن في أكتوبر من نفس العام عن “ميثاق البناء الأسري” الرامي لمحاربة مظاهر البذخ والتبذير وغلاء المهور.
بعد أشهر من الإعلان عن فكرة تزويج الشباب ومحاربة التبذير، تكشف مؤسسة “تقصي” في هذا التقرير المعمق، أن ما تم إعلانه من طرف اتحاد أرباب العمل، لم يرى النور لحد اللحظة، وأن ميثاق البناء الأسري، مجرد كذبة تكشفها حسابات بعض المشاهير على منصة “سناب شات”
توقيع الميثاق
في حفل كبير داخل قصر المؤتمرات وتحت إشراف السيدة الأولى مريم منت الداه، وبحضور جمهور نوعي كبير، تم انطلاق توقيع “ميثاق البناء الأسري” وتم توقيعه من طرف هيئة العلماء الموريتانيين، ومفوضية حقوق الإنسان، والتجمع الثقافي الإسلامي، ورابطة العمد الموريتانيين، وعدد من الهيئات والروابط المدنية والاجتماعية والناشطين في المجتمع المدني.
“هذه المبادرة تشكل جزء من مشروع اتحاد أرباب العمل الاجتماعي، ومساهمته في صون وترقية قيم المجتمع للتخفيف من مظاهر الإسراف والتبذير“
زين العابدين ولد الشيخ أحمد خلال توقيع الميثاق
فتح الإعلام الرسمي والخصوصي نقاشات في مختلف البرامج التلفزية والإذاعية حول إيجابيات هذا الميثاق وضرورة وجودها في الوقت الراهن، كما تحد عنه أئمة خلال خطبة صلاة الجمعة، وبدى وكأن الجميع اقتنع به وسيتم تطبيقه، غير أن هذا لم يحصل إلا شكلي.
كذبة محاربة التبذير
قمنا في “موقع تقصي” بمتابعة زيجات أعلن عن احترامها لما جاء ف ميثاق البناء الأسري، وتطبيق مبادئه، لكننا اكتشفنا أن هذه الزيجات حملت تناقضا كبيرا بين ما يدعو له الميثاق وما هو حاصل في المجتمع من انتشار لظاهرة التنافس في إظهار من ينفق أكثر خلال المناسبات الاجتماعية.
الزيجة الأولى:
في مسجد ابن عباس تم عقد قران شاب وشابة، كان وكيل العريس فيه الطالب بوي الشيخ آياه الناطق الرسمي باسم الطريقة القادرية في شمال افريقيا، وقدم وكيل العريس 50 ألف أوقية قديمة على أنها الصداق المتفق عليه، وتم تثمين الخطوة على مواقع التواصل الاجتماعي، بوصفها خطوة تتماشى مع مبدأ الميثاق كما أنها تشجع على محاربة غلاء المهور.
غير أنه في مقطع فيديو نشره “الفنان البشير” على حسابه في منصة “سنا بشات” يوثق المقطع ما تم تقديمه لأهل العروس وهو عبارة عن مبلغ 20 مليون أوقية قديمة مع حلي من الذهب، وتم انتشار المقطع بشكل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي، كما أن لحظة الإعلان كانت وسط جمهور كبير وتم استخدام مكبر صوت لإسماع ذلك.
الزيجة الثانية
في مسجد ابن عباس أشرف الشيخ ولد صالح الأمين العام لهيئة العلماء، وهو أحد الموقعين على الميثاق والمدافعين على قد قران تم تقديم 50 ألف أوقية قديمة خلاله كمهر، مع التأكيد على احترام ميثاق البناء الأسري.
أما في منزل أهل العروس فقد أعلن في مكبر صوت وسط تغطية كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، أن العريس قدم 100 من ضمن المهر مع أربعة ملايين أوقية.
هذا بالإضافة إلى عشرات مقاطع الفيديو التي توثق التظاهر بالممتلكات التي تم تقديمها إما لعائلة الزوج أو عائلة الزوجة، كما توثق الكميات الكبيرة من آلأف الأوقية التي يتم رميها على الفنان خلال الحفلات.
انتقادات وآمال
تعتبر فاطمة منت الفيل رئيسة المجلس الموريتاني لسيدات الأعمال، أن الميثاق فشل من وجهة نظرها، أولا لم يقم بما تعهد به مثل تزويج الشباب، وثانيا على مستوى المناسبات الاجتماعية التي حدثت بعد توقيعه ظهر فيها الكثير من البذخ.

وأضافت منت الفيل لموقع “تقصي” أن هذا مجرد كذب، لأنه من غير المنطقي أن تقدم 50 ألف أوقية قديمة كمهر ثم يتم قضاء شهر العسل في الخارج، معتبرة أن هذا مجرد تمثيل، لأنه من يقدمون 50 ألف أوقية كمهور تصرف عشرات الملايين بعد ذلك.
غير أن الناشطة مريم فاضل التي ترأس صالون مريم فاضل الرامي لمحاربة التبذير، وهي أحدى الموقعات على الميثاق، فأكدت لموقع “تقصي” أن تبجيل المرأة شيئ والتفاخر والتبذير شيء آخر مختلف تماما، وأضافت في تصريحها أن المجتمع يحتاج إلى صناعة القدوة الحسنة.

وتضيف مريم فاضل” الإمكانات ليست متساوية والتفاخر دمر هذا المجتمع، ولذلك كنت أعمل على محاربة هذه الظواهر، ولهذا دعمت فكرة رئيس أرباب العمل”
الاتحاد ساهم في التوعية
تواصلنا في “تقصي” مع مسؤول الإعلام في الاتحاد الوطني لأرباب العمل الصحفي سيدي محمد ولد أجيون، للرد على الانتقادات الموجهة للميثاق وكذلك ما تم التطرق له في التقرير من تناقض لبعض الأسر التي تزوج أبناؤها بعد الإعلان عن الميثاق.
وفي رده على أسئلتنا قال ولد أجيون إن الميثاق الأسري هو التزام شامل، وليس منطقياً أن يلتزم الموقعون بجزء منه دون الآخر.
مضيفا أن المبادرة جاءت بمباركة من رئيس الاتحاد الوطني لأرباب العمل الموريتانيين، السيد محمد زين العابدين ولد الشيخ أحمد، استنادًا إلى دراسات كشفت عن تفاقم ظاهرة الإسراف، خصوصًا بين فئة الشباب من الطبقة الوسطى، مما دفعهم إلى الاستدانة بمبالغ كبيرة لمناسبات قصيرة.

وأعتبر أن الميثاق ساهم من منظورنا في التوعية بأهمية التوازن في الإنفاق لتحقيق استقرار اقتصادي واجتماعي. وبخصوص مبادرة تزويج 50 شابا مع توفير فرص العمل لهم قال سيدي محمد ” تم تكليف هيئة العلماء الموريتانيين بإدارتها، وتحويل مبلغ خمسين مليون أوقية لتنفيذها ونحن في انتظار اكتمال الإجراءات الخاصة باختيار المستفيدين، مع مراعاة التوزيع العادل لهم على المؤسسات الخاصة، حيث سيتم توقيع عقود عمل قانونية تكفل لهم كافة الامتيازات والتحفيزات المنصوص عليها في مدونة الشغل الموريتانية.