تقرير: حامد مختار
محمد ولد محمد الأمين صاحب ورشة لصناعة لبِن البناء بنواكشوط، ينتابه قلق على مستقبل مشروعه، فجل العاملين فيه من المهاجرين، الذين لا تتوفر فيهم شروط الإقامة في البلد.
يُصنع اللبِن في ورشة محمد بواسطة آلات صينية يجيد الماليون أكثر من غيرهم استخدامها، ويؤكد محمد أن عمليةترحيلهم أدت لارتفاع سعر بعض أنواع اللبن متجاوزا 100%.
على العكس من محمد بدا “علي الشيخ” بائع قطع غيار السيارات بمقاطعة لكصر فرحا بقرار ترحيل المهاجرين غير النظاميين وعبرعن تأييده له إذ يتيح لليد العاملة الوطنية فرصة لا تقدر بثمن، كما يقول، حيث كان وجود الأجانب العاملين في مجال إصلاح وبيع قطع غيار السيارات يضايقهم في معيشتهم.
المستثمر في مجال التنقيب الأهلي عن الذهب محمد عالي الحسين قال لتقصي إن قطاع التعدين الأهلي تضرر جراء عمليات ترحيل المهاجرين غير النظاميين، مضيفا ”أن تأثير ترحيل المهاجرين على قطاع التعدين الأهلي ما زال لحد الآن جزئيا إلا أنه يتوقع أن يتفاقم في المستقبل. قطاع الصيد في موريتانيا لم يسلم بدوره من تأثير عمليات ترحيل المهاجرين غير النظاميين، حيث يقول الداه بلال الذي يعمل في تجهيز السفن في ميناء نواذيب المستقل إن عددا من العاملين في مجال الصيد من الأجانب ممن لا تتوفر فيهم معايير البقاء على الأراضي الموريتانية قد رحِّلوا، مضيفا أن قطاع الصيد يعتمد على اليد العاملة الأجنبية بشكل كبير

اعتراف حكومي
في زيارة للاطلاع على أشغال البرنامج الاستعجالي لتنمية نواكشوط يوم 19 إبريل 2025 قال الوزير الأول المختار اجاي إن من أبرز المشاكل التي يعاني منها القائمون على أشغال برنامج تنمية المدينة، النقص الكبير الحاصل في اللبِن وارتفاع سعر المتوفر منه، نتيجة لعمليات ترحيل المهاجرين غير النظاميين. تعددت ردود الفعل حولعمليات الترحيل بين داعم للإجراءات الحكومية ومؤيد لتسوية أوضاع المهاجرين منددٍ بالظروف التي تتم فيها عمليات الترحيل، حيث أصدرت منظمات وجمعيات حقوقية بيانا مشتركا في 06 مارس 2025 نددت فيه بما وصفتها بمعاملة “غير إنسانية” يتعرض لها المهاجرون المرحلون تنتهك الحقوق الأساسية لهم.
نعمة أم نقمة؟
يقدر نقيب المهندسين الزراعيين الموريتانيين شيخنا البشير نسبة الأجانب العاملين في مجال زراعة الأرز والخضروات في موريتانيا ب60% من عمال المجال.
ويرى ولد البشير أنه في حال طالت عمليات الترحيل العمال الأجانب في قطاع الزراعة، فإن ذلك سيكون له تأثير كبير على مجال زراعة الأرزوالخضروات، ما دفع عددامن الفاعلين في المجال الزراعي وكذا التجمعات المختلفة للمزارعين إلى التعبير للسلطات عن مخاطر ترحيل هؤلاء العمال.
وقال نقيب المهندسين الزراعيين الموريتانيين لتقصي إنه يوجد اتصال مكثف بين المزارعين والاتحاد الوطني لأرباب العمل الموريتانيين في هذا الصدد، مشيرا أنه يتوقع اقتصار عمليات الترحيل في الوقت الحالي على المهاجرين غير النظاميين العاملين في المجال الزراعي في المدن، إلى حين انتهاء الحملة الزراعية الحالية.
ويرى المحلل الاقتصادي أمم أنفع سياسيةَ ترحيل المهاجرين غير النظاميين إجراء مهما من الناحية السيادية للبلد، إلا أنه سيكون له تأثير سلبي من ناحيتي الاستهلاك والإنتاج، فمن ناحية الاستهلاك يقول ولد أنفع إن وجود أعداد كبيرة من المهاجرين أنعش الاقتصاد الموريتاني وزاد من حجم السوق كما شجع الاستهلاك.
ويضيف المحلل الاقتصادي أن قطاع الإيجار في بعض أحياء العاصمة نواكشوط سيتأثر بعمليات ترحيل المهاجرين غير النظامين خاصة في المناطق التي تشهد ارتفاعا في نسبة منسوب المياه والذي أدى لهبوط كبير لقيمتها السوقية والذي جعل المهاجرين يفضلون إيجار المنازل في هذه الأحياء.
وأكد انفع أن الاقتصاد الوطني سيتضرر بفعل ترحيل العمالة الأجنبية التي تتميز وفق قوله بإنتاجيتها المرتفعة وثمنها الرخيص مقارنة باليد العاملة الوطنية
ستتيح سياسات الترحيل وفق ولد انفع للشباب الموريتاني العاطل عن العمل الكثير من الوظائف ما يسهم في مرتنة الكثير منها، مضيفا أنه من الممكن الحصول على بدائل موريتانية للعمالة الأجنبية نظرا لكون جل الأعمال التي يقوم بها المهاجرون لا تتطلب مهارات عالية.
الخبير في مجال الصناعات الاستخراجية يربان الخراشي يقول إن السنوات الأخيرة عرفت مطالبات بحظر نشاط التنقيب عن الذهب على الأجانب، مضيفا أن حمى الذهب بدأت في السودان 2008 وانتقلت إلى تشاد والنيجر وبوركينا فاسو والجزائر والسنغال ومالي ثم انتقلت إلى موريتانيا عام 2016 ومع زيادة هذا النشاط في بلادنا توافدت أعداد كبيرة من رعايا هذه الدول، وبفعل تجربتهم الطويلة في هذا المجال وامتلاكهم الوسائل الضرورية أصبحوا منافسين بشكل كبير للعمالة الوطنية.

يرى الخراشي أن سياسة الترحيل إن طالت العاملين في قطاع التعدين الأهلي عن الذهب فسيكون لها تأثير إيجابي من ناحية وسلبي من ناحية أخرى.
أما الإيجابي على قطاع التعدين الأهلي، هو أنها ستفتح فرصة كبيرة أمام العمالة الوطنية وتلبي مطالبهم السابقة المتمثلة في حظر هذا النشاط على الأجانب.
ويتجلى تأثيرها السلبي في أنها أن قد تؤدي إلى زيادة في هجرة الشباب الموريتاني واليد العاملة الموريتانية من الريف وانخراطهم في عملية البحث عن الذهب بوصفه طريقا للثراء السريع ما قد يلقي بظلاله سلبا على القطاعات الإنتاجية ويهدد استراتيجية تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الخضروات والحبوب ومجال الغذاء بصفة عامة.

أرقام غير مسبوقة
في المؤتمر المعلق على اجتماع مجلس الوزراء في 06 مارس 2025 قال الناطق الرسمي باسم الحكومة الحسين امدو إنه في 2022 وحدها سجلت موريتانيا دخول 130 ألف مهاجر لم يتقدم منهم لتجديد الإقامات أو الرخص سوى 7 آلاف فقط.
ووفق حديث لوزير الخارجية محمد سالم ولد مرزوك في 26 أكتوبر 2024 في افتتاح مؤتمر المانحين لدعم اللاجئين في الساحل وحوض بحيرة تشاد فإن موريتانيا تحتضن أكثر من 250 ألف لاجئ مالي في مخيم “امبرة” بولاية الحوض الشرقي، كما تستضيف ما بين 350 و400 ألف مهاجر من دول الساحل.
وافتتحت موريتانيا في 25 يوليو 2022 مركزا خاصا باستقبال الأجانب الراغبين في البقاء على الأراضي الموريتانية كمقيمين شرعيين ومنحتهم مهلة 3 أشهر للاستفادة من الإحصاء معفي الرسوم ، ليصرح وزير الداخلية محمد أحمد ولد محمد الأمين في سبتمبر 2024 أمام النواب في الجمعية الوطنية بأن الإحصاء استفاد منه أزيد من 130 ألف مهاجر في العاصمة نواكشوط وحدها.

يعتبر الباحث الحاج إبراهيم المهتم بقضايا الهجرة وحقوق الإنسان هدف الإحصاء معرفة عدد المهاجرين الذين تتوفر فيهم شروط الحماية، أي عدد طالبي اللجوء الذين يُمنع ترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية خوفًا من تعرضهم للتعذيب أو القتل، وإن هذا الشرط يأتي في إطار تصدير حق اللجوء الذي تضمنه الاتفاقيات الدولية الملزمة لموريتانيا أولا كبلد عبور، وللاتحاد الأوروبي كدول وجهة، حيث تفرض قوانين الاتحاد الأوروبي احترام حق اللجوء، مما يجعله عرضة للانتقادات والمسائلات القانونية في حال أعادت الحكومة الموريتانية أي مرشحين محتملين لحق اللجوء إلى بلدانهم الأصلية.
هذا المبدأ الخاص بحق اللجوء يأتي ضمن إطار أوسع للشراكة بين موريتانيا والاتحاد الأوروبي سابق لمذكرة التفاهم الأخيرة يشمل اتفاقيات إقليمية مثل اتفاق “ساموا” الذي وقعته موريتانيا في أواخر 2023 المرجح أن إجراءات التقييد الاحصائي أتت ضمن التزاماته.

أما عن أرقام الهجرة الخارجية إلى إسبانيا عبر موريتانيا، فوفق البيانات الواردة في التقرير النهائي لعام 2024 الصادر عن وزارة الداخلية الإسبانية بخصوص الهجرة غير النظامية إلى إسبانيا خلال الفترة من 1 يناير إلى 31 ديسمبر 2024، فقد بلغ عدد المهاجرين غير النظاميين الوافدين إلى شواطئ جزر الكناري 46,843 مهاجر.
يقول محمد الأمين خطاري رئيس المرصد الأطلسي للهجرة إن نسبة 60% من هؤلاء المهاجرين وصلوا عن طريق الشواطئ الموريتانية ما ينذر أيضا بتفاقم هذه الحالة.
أما بخصوص أعداد المهاجرين الموجودين على الأراضي الموريتانية، فيرى رئيس المرصد الأطلسي للهجرة أنه يوجد الكثير من اللبس والضبابية، فرغم المحاولات الحثيثة حسب قوله ما تزال الأرقام غير مؤكدة بحكم تشعب قضية الهجرة في موريتانيا وبحكم عدم إفصاح العديد من المهاجرين عن هوياتهم ووجودهم في حال إشكال مع القانون.
شراكة مثيرة للجدل
حملة ترحيل المهاجرين غير النظاميين تصاعدت بعد أشهر من الإعلان المشترك لموريتانيا والاتحاد الأوروبي عن توقيع شراكة بشأن الهجرة في 7 مارس 2024.
في 19 مارس 2025 قال وزير الداخلية محمد أحمد ولد محمد الأمين خلال المؤتمر المعقب على مجلس الوزراء إن الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي اتفاق نيات غير ملزم للطرفين وأن 70 % مما يتضمنه يخدم موريتانيا مثل خلق فرص عمل للشباب الموريتاني في أوروبا في إطار الهجرة الدائرية.
اتفاقية موريتانيا والاتحاد الأوروبي انتقدها النائب البرلماني بيرام الداه اعبيد ووصفها بالمنحة المسمومة مؤكدا أنه كان على الدولة الموريتانية أن تتفق مع الاتحاد الاوروبي على تكوين رجال الأمن الموريتانيين الموجودين على الحدود.
رئيس المرصد الأطلسي للهجرة صرح لتقصي بوجود الكثير من اللبس والضبابية بسبب ما وصفها بالأخبار المضللة التي تناولت ما يسميه بعضهم “اتفاقية موريتانيا والاتحاد الأوروبي” والحقيقة أن جهات رسمية موريتانية وجهات إسبانية وجهات مهتمة بالهجرة في بروكسل وفي البرلمان الأوروبي أكدت للمرصد الذي يرأسه أن ما حصل إعلان نيات بين موريتانيا والاتحاد الأوروبي في سياق مقاربة للتعاون حول الهجرة في ظل الإشكالات المطروحة التي باتت تؤرق موريتانيا أولا وأخيرا بحكم نزوح الآلاف من المهاجرين ومخاطر توسع عمل ما يسمى بمافياوات الهجرة العابرة للدول والقارات، التي أصبحت شبكاتها تتحرك في منطقة الساحل بشكل ملحوظ ما يدفع بالجهات الرسمية الموريتانية إلى ضرورة مواجهة هذه الشبكات وأيضا الاستناد إلى التعاون الأوروبي الإسباني لمساعدة البلد في مواجهة هذه التدفقات.
تحريض أم وطنية؟
عرف التعاطي مع الموضوع على فيسبوك نوعا من التباين بين من يؤيد سياسات ترحيل المهاجرين غير النظاميين وبين من يساندها وينتقد ظروف الترحيل ومن ينتقد ما يسميه “التحريض على الأجانب”
انتقد عدد من النشطاء على فيسبوك “تدوينات” يتهمون أصحابها بالتحريض على المهاجرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء.
في الجانب المقابل استخدم مصطلح “اللونيين” كوصف لمن يعارض عمليات الترحيل وبدرجة أقل لوصف من ينتقد الظروف التي يرحل فيها المهاجرون
وتبقى قضية المهاجرين في موريتانيا قضية جدلية تتادخل فيها عوامل القانون الدولي والسيادة الوطنية والعوامل الإنسانية ومصالح الجهات الخارجية، وفي هذه الوضعية تعمل موريتانيا على مايبدو من سياستها اتجاه الملف الحساس إلى التمسك بالعلاقات الجيدة مع دول الجوار وكذلك الاستفادة من الاتحاد الأوروبي مع ضمان مصالح الشعب، لكن الأصوات تظل ترتفتع وتختلف حول هذه السياسات بين منتقد ومؤيد.