مؤتمر الاستخبارات الإفريقية في بنغازي، ماهي رمزية الحدث وتحديات الواقع الليبي؟

تقرير: الصحفي الموريتاني حامد مختار

في الأيام الماضية وتحديدا يومي 25 و 26 من أغسطس المنصرم احتضنت مدينة بنغازي الواقعة في الشرق الليبي مؤتمر لجنة أجهزة الأمن والاستخبارات الإفريقية في نسخته العشرين، وهو أول مؤتمر بهذا الحجم تستضيفه البلاد منذ فترة طويلة.

وعرف المؤتمر القاري مشاركة أكثر من 50 جهازا استخباراتيا إلى جانب منظمات إقليمية ودولية.

وما أهم ملامح الوضع السياسي والأمني في ليبيا؟

فما هي هذه اللجنة؟

وما رمزية استضافة ليبيا لهذا المؤتمر؟

تعيش ليبيا وضعا معقدا في ظل انقسام السلطة بين حكومة الوحدة الوطنية المعترف بها دوليا في طرابلس ويقودها عبد الحميد الدبيبة وحكومة الاستقرار الوطني في الشرق برئاسة أسامة حماد الذي وكل إليه البرلمان أداء مهام الحكومة مدعوما بقائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر

ما زال الوضع السياسي والأمني في البلد يتسم بنوع من الاضطراب بسبب حالة الانقسام التي تشهدها البلاد منذ 14 سنة.

يعزو الصحفي المختص في الشؤون الإفريقيةمحفوظ السالك أسباب هذا الانقسام إلى عوامل تراكمية منذ عقود، وعوامل أخرى تعود إلى ما بعد الثورة التي شهدتها البلاد، وقُتل خلالها الرئيس الليبي معمر القذافي، مضيفا أنه منذ ما بعد القذافي لم تستطع البلاد التي تشهد تنافسا كبيرا من عديد الأطراف الدولية، استعادة عافيتها سياسيا وأمنيا، وباتت بها سلطتان تتنازعان على الشرعية.

يرى ولد السالك أن عدم الاستقرار السياسي في ليبيا معطى ثابت، وعدم الاستقرار الأمني متغير، تتصاعد وتيرته أحيانا، وتتراجع نسبيا أحيانا أخرى.

في حين يؤكد المحلل السياسي إسماعيل ولد الشيخ سيديا أن المعضلة الليبية تبقى سياسية بالأساس، إذ أن لكل طرف مناطق نفوذ واسعة: فطرابلس تسيطر على معظم مناطق الإنتاج على الساحل المتوسطي والغرب الليبي بينما تسيطر بنغازي على مساحات شاسعة تمتد حتى الحدود مع تشاد والنيجر والسودان والجزائر. ورغم ذلك، لم تعلن بنغازي الانفصال أو الاستقلال بشكل صريح، لأنها تدرك أن ذلك ليس في صالحها سياسيا بل تسعى إلى تعزيز نفوذها ضمن إطار الدولة الواحدة.

المبعوثة الأممية إلى ليبيا الغانية هانا تيتيه حذرت خلال إحاطة قدمتها للأمم المتحدة في 21 من أغسطس الماضي من تفاقم الوضع الأمني في البلاد مؤكدة ارتفاع وتيرة التسلح والتوتر بين الأجهزة المسلحة، كانت أبرزها اشتباكات مسلحة عرفتها طرابلس على خلفية اغتيال قائد جهاز دعم الاستقرار عبد الغني الككلي وأسفرت عن عديد القتلى والجرحى.

وفي لقاء جمعه بالصحافة مساء الخامس والعشرين من أغسطس قال مدير جهاز الاستخبارات الليبي الفريقي أول حسين العايب إن 90% من الأراضي الليبية تسيطر عليها الأجهزة الأمنية بشكل كامل، وأضاف العايب في مؤتمر صحفي معقب على اليوم الأول للمؤتمر أن هدف CISSA  التعاون المشترك بين أجهزة الاستخبارات الإفريقية للقضاء على التهديدات الأمنية في القارة الإفريقية بما فيها التحديات التي تواجه ليبيا

نتيجة اجتماع تشاوري استمر يومين في العاصمة النيجيرية أبوجا، أعلن في 26 أغسطس 2004 عن تأسيس لجنة أجهزة الأمن والاستخبارات الإفريقية

Committee of Intelligence and Security Services of Africa (CISSA)  بحضور أجهزة استخبارات 44 بلد إفريقي، ليتم إقرارها رسميا في يناير 2005 من قبل القادة والرؤساء الأفارقة في قمة الاتحاد الإفريقي في أديسا بابا.

ووضعت CISSA عند تأسيسها جملة من الأهداف تمثلت في:

  • تسهيل التعاون الاستخباراتي من خلال اتخاذ إجراءات لبناء الثقة بين أجهزة الاستخبارات والأمن الإفريقية.
  • إسناد مفوضية الاتحاد الإفريقي والدول الأعضاء بالمعلومات الاستخباراتية على اتخاذ قرارات مستنيرة، لمساعدتها على اتخاذ القرار
  • مواجهة التهديدات المشتركة بتنسيق جهود مكافحة التهديدات الأمنية العابرة للحدود التي تواجه القارة
  • تقوية قدرات أجهزة الاستخبارات الإفريقية من خلال التدريب وتبادل الخبرات

الصحفي المختص في الشؤون الإفريقية محفوظ ولد السالك صرح لتقصي بأن لجنة الأمن والمخابرات الإفريقية CISSA ليست من اللجان ذات التجربة الطويلة بالقارة الإفريقية، ذلك أن عمرها لا يتجاوز 20 سنة ما يعني أنها لم تراكم بعد من الخبرة ما يمكنها من صناعة الفرق إزاء أزمة عدم استقرار أمني متشعبة في ليبيا.

رغم ذلك يرى ولد السالك أن استضافة ليبيا لاجتماعات هذه اللجنة تحمل أبعادا رمزية منها أنه أول مؤتمر من هذا الحجم تستضيفه البلاد منذ فترة طويلة، وهو ما قد يفتح  أمامها أفقا جديدا وفق قوله فيما يتعلق بتعزيز الشراكات مع الدول الإفريقية.

ويضيف ولد السالك أن استضافة هذا الحدث تعكس تطلع ليبيا إلى بسط الأمن والاستقرار في كافة ربوعها، في ظل التحديات الكبيرة التي تواجهها على صعيد الجريمة المنظمة، والهجرة غير النظامية، وتهريب البشر، والسلاح… وهي تحديات تتجاوز تداعياتها ليبيا نحو دول الجوار الإفريقي، وأيضا أوروبا.

ويرى المحلل السياسي إسماعيل الشيخ سيديا أن اختيار بنغازي بالذات لعقد مؤتمر CISSAيحمل دلالات مهمة فهو يُظهر أن الشرق الليبي، رغم خلافاته مع طرابلس، يريد أن يُقدّم نفسه كجزء من الحل لا جزءا من المشكلة.

وفي الوقت ذاته، يضيف ولد الشيخ سيديا لتقصي أن حكومتي طرابلس وحكومة بنغازي تبعثان من خلال تنظيم المؤتمر في بنغازي رسائل متباينة إلى المجتمع الدولي وإلى الأمم المتحدة التي بدورها غيّرت أكثر من مرة مواقفها إزاء الملف الليبي بين استقالات وإقالات لمسؤوليها المكلفين بالملف.

في 21 من أغسطس قدمت المبعوثة الأممية إلى ليبيا خطة أممية لإيجاد حل للأزمة في البلد استندت على ثلاث ركائز تجسدت في:

  • إعداد إطار انتخابي متماسك تقنيا وقابل للتنفيذ
  • تشكيل حكومة تنفيذية موحدة تدمج مؤسسات الحكومتين الغربية والشرقية
  • تشكيل حكومة موحدة جديدة في وقت لاحق على الخطوتين السابقتين

الخطة الأممية تلقاها المجلس الرئاسي الليبي بالترحيب، مؤكدا ضرورة تحديد جدول زمني ملزم وحل الخلافات بشأن القوانين الانتخابية، فيما اقترح رئيس حكومة الوحدة عبد الحميد الدبيبة التوجه مباشرة للانتخابات كحلللخلافات بشأن القوانين الانتخابية

وفي الشرق أبدى رئيس البرلمان عقيلة صالح دعمه لمقترح الحكومة الموحدة مشددا على أن حكومة الشرق هي الحكومة الشرعية.

تعليقا على الخطة الأممية صرح الإعلامي والباحث السياسي الليبي إدريس إحميد لتقصي أن الأولوية في ليبيا في الوقت الراهن ينبغي أن تكون بسط الأمن على كافة الأراضي الليبية وجمع السلاح تمهيدا لتنظيم انتخابات بعد عودة الثقة بين الليبيين، مضيفا أن مساحة كبيرة من الأراضي الليبية تنعم بالسلام وهي تحت سيطرة الجيش الليبي إلا أن مناطق أخرى بما فيها العاصمة طرابلس ما زالت توجد فيها ما وصفها “بالمليشيات” التي حازت شرعيتها من حكومة الوفاق، ولم تقم حكومة الوحدة الوط

ويرى إسماعيل ولد الشيخ سيديا إن الوضع في ليبيا يعكس حالة من الغموض وعدم الحسم، فالليبيون وفق تعبيره يمارسون ما يشبه “سياسة الانتظار” إلى أن تحين لحظة التوافق الوطني أو يتم فرض تسوية برعاية دولية وإقليمية، كما أن القبائل والقوى الاجتماعية والسياسية ما تزال تلعب دورا محوريا في رسم المشهد، في حين تسعى القوى الخارجية سواء كانت إقليمية كالمغرب والجزائر ومصر أو دولية كروسيا وتركيا لتثبيت مصالحها عبر دعم هذا الطرف أو ذاك.

ويخلص المحلل السياسي إلى أن حل الأزمة الليبية مرهون بمدى قدرة الليبيين على التفاهم الداخلي وبمدى نجاح القوى الإقليمية والدولية في دعم هذا التفاهم بدل تعميق الانقسام

وعن إمكانية استعادة ليبيا عافيتها يجيب الصحفي المهتم بالشأن الإفريقي محفوظ السالك أنه حتى الآن لم تستطع البلاد استعادة الهدوء السياسي فيها، رغم أن نحو عقد ونصف مدة زمنية كافية لتوحيد مؤسسات البلاد، وتنظيم انتخابات تنافسية، شفافة وذات مصداقية، مضيفا أن إعادة البناء ما تزال ممكنة حين يصبح ساسة ليبيا مستعدين لذلك، من خلال تقديم مصلحة البلاد على المصالح الشخصية وتقديم كل طرف تنازلات من أجل البلاد ومستقبلها.

الأمر كذلك يقع جزء هام منه وفق ولد السالك على عاتق الأطراف الخارجية، لأنها ما لم تدع التدخل في الشؤون الداخلية لليبيا، فإنه لن يكون هناك توافق وانسجام، ورغبة حقيقية لدى الأطراف المتصارعة داخليا في إنهاء الانقسام الذي كانت فاتورته كبيرة.

Related posts

اختتام أجتماعات خبراء سيسا تمهيدا لمؤتمر رؤساء الاستخبارات الافريقية في بنغازي

بنغازي تحتضن الاجتماعات التحضيرية لمؤتمر لجنة أجهزة الأمن والمخابرات الأفريقية

كاشف الفساد .. عندما يراقب المواطن أوجه التقصير